Sunday, September 19, 2010

سـاقٌ وثلاثـةُ أذرعِ

خرجَ من العملِ بعد نهايةِ الدوام متوجهاً إلى البيتِ. وقفَ فى إنتظارِ المواصلات. تأخرَ البصُ كثيراً لم يستطعْ تحمل أشعة الشمس أكثر من ذلك . نظر إلى ساعتهِ، كانت تشيرُ إلى الواحدةِ والنصف ظهراً، إذاً لم يمضى على وقوفه بالمحطة سوى خمس دقائق فقط ورغم ذلك فقد أصابه ملل الإنتظار. فالثوانى كانت تمرُ بصعوبة ، فمع كل قطرة عرق تتصبب من جبينه كان يرتفع ثيرمومتر الضيق بداخله ، فالبص لن يأتى قبل عشر دقائق أُخرى على الأقل . أخرج منديلاً ومسح العرق من على جبينه ووجهه .لم يجد بداً من استقلال عربة أجرة للفرار من هذا الجوّ الخانق .
وصل إلى المنزل بعد معاناة كبيرة من ازدحام الطريق. توجه فوراً إلى الثلاجة . تناول قارورة ً من الماء ،رفعها إلى فمه وأخذ يشربُ و يشربُ حتى أفرغ القارورة تماماً . تناول أُخرى وصبها على رأسه . جلس على أحد المقاعد , أخذ نفساً عميقاً ثم قال : لماذا لم يخترع هؤلاء الأغبياء شيئاً يحركون به مايسمى بخط الإستواء هذا بعيداً عنا ؟ أو يأخذوه هناك حيث البرد القارس والثلوج ! فنحن بالطبع لن نمانع . ولمذا نمانع ؟ فهم يأخذون كل ما يريدون دون إستئذان , ولا أظنهم أهدونا هذه الإختراعات إلا ليأسروننا بها , فهى تحتاج إلى كهرباء والكهرباء تحتاج إلى مولدات والمولدات تحتاج إلى وقود وهكذا سلسلة بلا آخر تماماً كهذا العطش الذى لا ينتهى . حمل خطواته ِالمتثاقلة إلى غرفته , خلع ملابسه إلا قليلاً وهوى على السرير . كانت هى تدور معتمدةً على ساق واحدة وتفرد أذرعها الثلاثة لتحتضن بها الهواء . أخذ يتأمل ساقها الطويلة العارية و أذرعها البيضاء . فبدت له كراقصات الباليه ولكن بلا بدلةٍ للرقص فقط بملابس صيفية ! كانت تدور عكس عقارب السكون , تحرك غطاء السرير وتداعب الستائر على النوافذ . قال لها وحمى الرقص تصعد إلى رأسه : لماذا تصرين على التعلق بغيرى؟ بالرغم من أننى لا أستطيع مفارقتك خاصة فى مثل هذه اللحظات الساخنة ؟ أتفضلين هذا الحائط الذى تتكئين عليه علىّ أنا ؟ لم تجب على أىٍ من أسئلته فقد كان الوقت للرقص فقط . فغداً يأتى الشتاء ولن تستطيع وقتئذٍ سوى الوقوف , فمتعة الرقص فى أن يكون صيفياً . كانت تصله أنفاسها العطرة فتخفف من سخونة الطقس . انقض عليه النعاس فنام . أخذ يحلم فرأى أزهار الشتاء وهى تسير بجواره على الرصيف وهو فى طريقه للعمل . وصل والأِبتسامة لاتفارق شفتيه , يخاطب العملاء بكلمات رقيقة فيقول : هل من خدمةٍ أُسديها لك ؟ بدلاً عن قوله : ماذا تريد ؟ . إ نتهى الدوام , وقف فى إنتظار البص دون أن يشعر بالملل إذ لا شمس يقطّب لها جبينه ولا عرق يتصبب . صعد إلى البص . جلست بجواره إمراةً تحمل طفلاً لم يتضجر من صراخه , إشارات المرور لم تكن بذلك الغباء الذى كان يراه فيها , فاللون الأحمرلا تشعر كم هو سخيف إلا فى الصيف . بدا له أن ملابسه قد إبتلّت فجأةً . نظر إلى السماء , لم تكن تمطر , بدأت درجة الحرارة ترتفع من حوله , نظر إلى الطفل , لم يكن هو مصدر ما يشعر به . إزداد الجوّ سخونةً , أخذ جبينه يتفصد عرقاً فاستيقظ . كان العرق يتسلل من تحت ملابسه , نظر إليها فوجدها قد كفت عن الدوران , مدّ يده إلى الحائط وضغط على زر التشغيل ولكنها لم تدر . ضغط فى مكان آخر على الحائط فلم يضيء المصباح وضع يده على رأسه وقال : آه لقد إنقطع التيار الكهربائى اللعين إذاً فتوقفت عن الدوران , ماذا أفعل ياإلهى ؟؟
وعلى غير العادة , عاد التيار سريعاً وعادت هى تمارس هوايتها المفضلة فى اللّف والدوران . بدأت من جديد تدفع الهواء فى إتجاهه حتى عاد إلى النوم . أخذ يحلم هذه المرة بحلقة أُخرى فى سلسلة أسره الإلكترونى , بإختراع آخر يسمى الطاقة الشمسية لايعكر عليه صفو أحلامه الأُخرى .

No comments:

Post a Comment