Sunday, September 19, 2010

دِيدَانُ الأَرْضِ... مَطَرُ السَّمَاءِ


الأَرْضُ هُنا طِينيةٌ لزجةٌ ، سوداءُ ذات ثُقُوبٍ ناتئة بَعْضَ الشّيْءِ ، كَعِظَامٍ نَخِرَةٍ لِوَجْهٍ لَمْ يَعُدْ بِه ِمزْعَةُ لَحْمٍ . كَعُلَبِ صَفِيحٍ صَدِئٍ ، مُصْطَفّةٌ في غَيْرِ انْتِظَامٍ ، مَحْشُورةً جَنْباً إلى عقبٍ وبِمسَاحَاتٍ لا يَتنفسُ فيها حتى النَّمْلُ ! .
الجُدران ُحِجَارة ٌمُتراصة فَوْقَ بَعْضِهَا ومشققةٌ ، لَمْ تَعْرِفْ طِلاءً سِوَىَ البُؤس ِ، ولمْ تُرَدِدْ صَدَاً أبْعدَ مِنْ صَوْتِ شخيرٍ يرتفعُ مِنْ جسدٍ مُتْعبٍ مُلْقى عِنْدَهَا ، لا يلتحفُ سِوى الضجرِ ولا يُدثِرُه ُغَيْرَ أملٍ يُومِضُ هباءً في قَرْيةٍ قد أفْلسَتْ أرْضُهَا ؛ فباتَتْ مَصْنعاً للحُزْنِ يَنْعَقُ فيه البوم .
الجميعُ هُنا بِلا ذاكرةٍ ، وقدْ يعيشون َبذاكرةٍ لا تحملُ أيَّ تصاويرَ لرهقِ أزقة مُنْتَصَفِ العُمرِ ، فَقَطْ وفي رُكنٍ قصي مِنْ الذاكرةِ يتناثرُ رمادُ حرائقٍ لا يقفونَ عِنْدَها كثيراً . ليسَ لَدَيْهِمْ ما يَمُوتُونَ مِنْ أجْلِهِ ، ولا ما يَعِيشونَ لَهُ . جَمَعتْهُمْ هَذِهِ الرُّقْعَةُ مِنْ الأرْضِ ، كبُقْعَةٍ ِللْعَبَثِ قَانُونُهَا الأَوْحَدُ هُو المَوْتُ قبْلَ فواتِ الأوانِ !
لَمْ أكُنْ أنَا استثناءً ، كُنْتُ مِثْلَهُمْ تماماً ، مِنْ ذاتِ الثقوبِ أخْرُجُ صباحاً ، حذائي مُمَزقٌ وثقيلٌ جداً ، قطعةُ قماشٍ لمْ أعدْ أذكرُ كَيْفَ كانَ لَونُها في الماضي ،هي الآن سَوْداءُ باليةٌ ، تَتَدلى مِنْ تَحْتِ قُبعةٍ مِنْ القشِ أضَعُها على رَأْسِي وبأصابعَ خَشِنةٍ أُمْسِكُ بقطعةِ خُبْزٍ جافٍ . متوجه ٌ نَحْوَ الإسطبلِ حَيْثُ حِصَاني الّذي قَدْ شَاخَ مِثْلِي وصَارَ النّوْم ُهوايته الوحيدة . أجُرُ عَرَبَةً خَشَبِيةً تئِنُ دَوَالِيبُهَا مُحْدِثَة صريراً مُزْعِجَاً لأشدها إلى ظهرِه ثُمّ أجلسُ مُمْسِكاً باللِّجامِ ، سائراً عَبْرَ أزقةٍ ضيقةٍ مليئة ببركِ المياهِ نَحْوَ السُّوقِ . مَحَطَةُ القطارِ تبْدُو أكْثَرَ ازدِحاماً ، عُمّالُ المصانع بـ(أبرولاتهم) المَلِيئة ببقعٍ زيتيةٍ سوداءَ ، تلاميذٌ صغارٌ على ظُهُورِهمْ حقائبَ مِنْ القُماشِ ، نساءٌ يَحْمِلْنَ بضائعَ زَهِيدةَ الثّمَنِ ؛ ليَبِعْنَهَا على أرْصِفَةِ المدينةِ ، يَتوسّطهُنَّ إسكافي ٌصغيرٌ قدْ نَسِيَ أنْ يَخِيطَ حذَاءَه ؛ فبرزتْ أصابِعُ قَدَمِهِ المُشَققة . و عِنْدَ بابِ الخروجِ الآخر على الشاطئِ ، مَرَاكِب ٌشِرَاعِية ٌ تَعْبُرُ بِمَنْ يقفُونَ هُناك نَحْوَ الضَفَّةِ الأُخْرَى لليأسِ ، وقوارب ٌلِِلْصَيْدِ تستنفذُ كُلَّ الصبرِ للحصولِ عَلَى سَمَكَةٍ !
يَنْشُرُونَ ِشبَاكاً أكَلَها الجُوع ُُفهَضَمتْهُ . وفي الأزقةِ مِنْ خَلْفِنَا يَجْلِسُ أُناسٌ في انتظار الشمسِ ، أعْرِفُ أعضاءَهُمْ المَبْتُورةِ ، وتِلْكَ المُستَعارة ُ أيْضَاً ، يُمارِسُونَ الثرثرة َولُعْبةَ الوَرَق ِلا أكثر .
أتَوقَفُ عِنْدَ مَدْخَلِ السُّوق ِ، في انتظارِ راكبٍ لا يأْتي ، يَنتصفُ النَّهارُ ، أشعةُ الشَّمْسِ تَلْفَحُ ظهرِي وليسَ هُناك بَعْدُ مَنْ يطلبُ خدماتي ، أتَحَرّكُ نَحْوَ الظلِّ وبَواباتُ اليَأْس ِترتفعُ شاهقةً شَيْئًا فشيئاً ، وقبْلَ أنْ تحْتجبَ الرُؤيةُ تماماً يصيحُ بي رجلٌ تَجَاَوزَ العِقْدَ الخَامِسَ مِنْ عُمرِهِ ، فأجذبُ اللّجامَ مُغيراً وِجْهَتِي . يقولُ الرجلُ : حمِّل هذهِ البضائع َوأوْصِلْها إلى محطةِ القطارِ . المحطة تحتاج إلى مسيرِ ساعةٍ كاملة ، وساعداي لَمْ يَعُدْ لهما القُدرةُ على حملِ كُل هذه الجوَّالات ، ولكِنْ لا بأسَ فمشوارٍ كهذا سيعودُ بنقودٍ تُوفرُ عليَّ مشقةَ مواصلةِ العملِ في هذا الحرُ الخانق، وسأعودُ بَعْدَها إلى المنزلِ مُباشرةً ، أقولُ ذلك في نفسي وظهري يكادُ ينوءُ بِمَا حَمَلَ ، وقَبْلَ أنْ تدورَ عجلاتُ العربةِ يقولُ الرجلُ : عشرون جنيهاً لِهذا المشوار وليسَ أَكثر ، تَرْتَسِمُ المِئاتُ مِنْ عَلاماتِ التعجُبِ عَلَى وجهي ، عشرون جنيها فقط ! هلْ تَمْزَحُ مَعِيَ ؟ . ليقول في تهكم : إذا لَمْ يُعجِبُكَ الثَّمَنُ أعِدْ البِضَاعةَ وسأبْحَثُ عَنْ حُوذِيٍ آخرَ يقْبَلُ بِنِصْفِ هذا المبلغ . هكذا بكلماتٍ فَقَطْ أجِدُ نفسي بَيْنَ المِطْرَقَةِ والسِّنْدَانِ .
يسيرُ الحِصانُ مُتثاقلَ الخُطَى ، حبَّاتُ العرق تتصبَبُ مِنْ جَبيني وأنا أحثُهُ عَلَى الرَّكْضِ بالتَّلويحِ بالسَّوْطِ في الهَواءِ ، وهو لا يأبَهُ بذلكَ فأضرِبُهُ كَمَا لَمْ أفعلْ مِنْ قَبْل . أِصيحُ مِنْ خَلفِهِ قائلاً : سِرْ أيُّها العَجُوزُ الأحمَقُ ، إنَّكَ لَمْ تَعُدْ تَصْلُحُ سِوى طعامٍ للطحالبِ ! .
أخيراً أنَاَ هُنَا عِنْدَ مَحطَّةِ القِطَارِ حيثُ ينتظرُنِي ذلك الرجُلُ . ألفظُ لَهُ بِضَاعتَهُ وأعودُ إلى السُّوق لَعلِّي أظْفَرُ بجنيهاتٍ أُخرَى . يُسرِعُ الحِصانُ هذه المرةِ وكأنَّهُ أخيراً قدْ أشفقَ على حالي . في منتصفِ الطريقِ تُلوِّح ُ لي امرأة ٌتقفُ على الرَّصيفِ بيدها وهي تُنادِي : أيُّها الحوذي إلى الحي العاشرِ إنْ أمكنَ ، أشدُّ اللّجام بقوةٍ وقبلَ أنْ تقفَ العربةُ تماماً أقولُ دون أنْ أنظُرَ إليها : سيُكَلِفُكِ ذلكَ عَشْرِ جُنيهاتٍ فترفعُ أغراضَها ثُمَّ تصعدُ وهي تُلَمْلِمُ أطرافَ ثوبها الذي تبعثر . عطرُها يُخففُ مِنْ وطأةِ هذا النَّهارِ الخانق ِ. تتحرَكُ العربةُ ِلتبدأَ هي بالثرثرةِ : تشتكي مِنْ غلاءِ الأسعارِ ، تتحدثُ عَنْ البطالةِ وإنْ كانتْ أزمةُ السكرِ ستُحلُ قريباً . نصلُ إلى الحيِّ العاشرِ، تُدسُ في يدي ِقطعَ النُقودِ ، أعُدُّها فإذا هي تسعةُ جنيهاتٍ لا عشرةَ ، أنْظُرُ إليها ! فتُبَاِدُرِني قائلة ً: والله مَا عَنْدِي غَيْرُهَا ، فَأومِئ ُ لها برأسي وأمضي .
تمُرُ سَحَاَبةُ النَّهارِ وليسَ في جيبي غيرُ تِسعةٍ وعشرين جُنيهاً . تمرُّ ساعةٌ ، ساعاتٌ أًخر فتميلُ الشمسُ نحو الغروبِ و تبدأ الحوانيتُ في إغلاقِ أبْوابِها . أُجَرْجِرُ قَدَميَّ عائداً إلى البيتِ ، أشتري بعشرةِ جنيهاتٍ كاملةٍ ما سأطعِمهُ ِلهذا الحصانُ النَّهمُ ، و بخمسةِ عشرِ جُنيها ً سكراً و زيتاً وحباتَ حنطةٍ ضرورية للحياةِ ، أوقِفُ العربةَ خَلفَ المنزلِ ثُمَّ أقتادُ الحِصانَ إلى الإسطبلِ . بَعضُ الماءِ أنْضَحُهُ على جسدِي فأستعيدُ بعضاً حيويتي . زوجتي تسْألُ إنْ كانَ مَعِيَ ستةَ جُنيهَاتٍ لشراءِ دواءٍ للسُعالِ الذي تُعانِي مِنْهُ مُنْذُ أُسبُوع ٍ ، فأجيبها بمزيدٍ مِنْ الماءِ على جَسَدِي ، تُذكِرُني بموعدِ زفافِ شقيقتَها وأنَّها في حاجةٍ إلى تنورةٍ جَدِيدةٍ و .... و... أصبُ دلوَ الماءِ عَلَى رأْسِي دَفْعَةً واحدةً ؛ فلا أسمعُ بقيةَ كلماتِها .
في رُكْنٍ داخلَ المقهى الذي يلفُهُ الهدوءُ إلا مِنْ صَوْتِ مُغَنٍ شعبيٍ يُرَدِدُ إحدى أُغانيات الرعاة . أجْلِسُ وحيداً إلا مِنْ كوبِ شايٍ أسودٍ مُر المذاقِ وأعقابُ سجائرٍ على المِنْضَدَةِ . أطْلُبُ فِنجانَ قهوةٍ ، وآخرَ ، أُشْعِلُ سيجَارَتِي العاشرة والصداعُ لا ينفَكُ يعبثُ برأسي . ودَدتُ لو أخذَ أحَدَهُمْ المطرقة التي خلفَ البَابِ و ضربَنِي بِها على رأسي . أُغَادِرُ إلى ساحةِ القريةِ لَعَلِي أجِدُ هُناكَ مَنْ يَفْعَلُهَا .
رجلٌ قدْ أطلقَ العنانَ لشعرهِ المُجَعَّدِ ؛ فانسدلَ على كَتِفَيْهِ بسوادٍ يتخلله بَعْض الشَّيْبِ ، تتدلى على صدره العاري حلقاتُ سلسلٍ حديدي وعلى كتفهِ الأيسر وشمٌ قديمٌ بنقاطٍ متقطعةٍ . يقفُ بقامةٍ فارعةٍ خلفَ طاولةٍ خشبيةٍ مستطيلةَ الشكلِ تعُجُ بالعديدِ مِنْ الأشياءِ ، يَتوسَّطُها مجمرٌ تتصاعدُ مِنْهُ رائحَةُ البَخُورِ . كانَ يحملُ في يدِهِ زُجَاجَة ، أخذَ مِنْهَا شيئاً و وضعَهُ في كأسٍ زُجاجي آخر فيه بعض الماءِ صبَّ مِنْهُ في كأسٍ ثالثٍ؛ فعلا دُخانٌ ملوّنٌ حَتَى انقطعَ و جَفَ ما في الكأْسِ حجراً أحْمَرَ ياقوتي اللّونِ أخَذَ النَّاسُ يَلمسُونَهُ بأيدِيهم ويَتَعَجبُونَ . فعلَ ذَاتَ الأمْرِ بِماءِ ٍآخرَ فجفَّ حجراً أزرقاً ، وأخَذَ مرةً غباراً أبيضاً ووضَعَهُ علَى سِندالٍ . رَفَعَ المِطْرَقةَ وهُو يُرَدِدُ كلِماتٍ غَيْر مفهومةٍ ثُمَّ ضَرَبَ بِها على الغُبارِ؛ فخرجَ صوتاً أصمَّ آذانَ الحاضِرِينَ ففزِعُوا . أخَذَ قمعاً زُجاجياً ضيق الفمِ غمسَهُ برفقٍ في إناءٍ مُفلطح ٍ مَمْلُوءٍ بالماءِ وأدخلَ مَعها زُجاجةً أُخرى بحركةٍ انحبس مَعَهَا الهواءُ داخلَ الزجاجةِ ، أتى شابٌ صغيرٌ كانَ يقفُ بجوارِهِ بفتيلٍ مُشْتَعِلٍ وقرَّبَهُ مِنْ الزُجَاَجَةِ ؛ فخرجَ الهواءُ المحبوسُ مفرقعاً بصوتٍ عالي . بدأ الشابُ بالطوافِ على الحاضرين ، ماداً يَدَهُ بِقُبعتِهِ ِلنرميَ لهُ بقطعِ النقودِ؛ فتسللتُ بهدوءٍ إلى طرفِ الساحةِ الآخر حَيْثُ ترقصُ إحدى نساءُ الغجرِ عَلَى إيقاعِ طبلٍ ضَخْمٍ يُضْرَبُ بِالعَصَا، وتتغنى بكلماتٍ رَدِِيئةٍ. تَدُورُ هي ؛ فتدورُ أعْيُنُ الحَاضِرِينَ في مَحَاجِرِها ، تُحَرِكُ جَسَدَهَا كبحرٍ مُتَلَاطِمِ الأمواجِ ؛ فَتَشْرَئبُ الأعْنَاقُ حتى مَدَاها ، يَرِنُ صَوْتُ خلخالٍ يُحِيطُ بساقها مُمْتَزِجَاً بِهَمْسِ مُصَوَّغَاتٍ نحاِسيَة ًعَلَى مِعْصَمِها ؛ فتَخفُقُ القلوبُ ، يسْكُتُ نقيقُ الضفادعِ ويسيلُ العرقُ لذيذاً على الرملِ . عِنْدَ فاصلِ رَقْصِها الأخيرِ تَفرِدُ الغجريةُ ثوباً أحمراً أمَامَها فتتساقطُ النقودُ عَلَيْهِ كِسَفاً مِنْ فَوْقِ الرُؤوسِ . أسيرُ في اتجاهِها وبِمحاذاةِ ساقيها أجْلِسُ لأضعَ على الثَّوبِ كلََّّ ما في جيبي ، أربعةُ جنيهاتٍ كاملةٍ ! .
تعودُ الساحةُ خاليةً إلا مِنْ أشباح ٍتلوحُ بعيداً . الكُلُّ قدْ تسللَ إلى ثقوبٍ يَقْضُونَ داخِلَها لَيْلَ سفادٍ مُذْهِلٍ ، كَمَخلُوقاتٍ للنسيانِ لا تشبعُ أبداً. لا يَشْغَلْ بَالَهُمْ ما يَحْمِله الغدُ ، بَلْ يَعْنِيهم أنْ تُمْلأ الأرْضُ ضجيجاً كل مساء ً؛ كي لا ينامَ الآخرون فوْقَ أجْسادِهم بِكُلِ ثقةٍ . لَمْ يبقَ غير ذاك الشيخ الذي يفترش سجادة من جلد الماعز وبجواره رحله ، إبريقُ ماءٍ و مِسْبَحَةٍ والكثير مِنْ التمائمِ والتعاويذِ . يقفُ أمامَهُ شابٌ يساوِمهُ على ثمنِ عِرقٍ ليجلبَ له حبَ فتاةٍ يشتهيها ! . أرفعُ يدي مُنادياً في تهكم : أيُّها الشيخُ المبجلُ أ لَمْ تَفكَ بَعْدُ شفرةَ تعويذةٍ تجعلُ السماءَ تُمْطِرُ خُبْزاً ؟ فيجيبني متودِداً لجيبي الفارغ : لا ، ولكنْ لدي تميمةٌ تجعلُ النساءَ يُنْجبْنَ بإذنِ اللهِ أكثر مِنْ توأمٍ في بطنٍ واحدةٍ ! فأردُ عليه بضحكةٍ كأنَّها صوتُ الموتِ .
أسيرُ عبرَ طريقٍ ضيقٍ ووعر ٍ، ترتطمُ أصابعي بحجرٍ قدْ غطته العُتْمةُ ، يُؤْلِمُني ذلكَ جداً ؛ فألْعَنُ ذلكَ الرجلَ في الصباحِ ثُمَّ تِلكَ المرأةَ المكتنزةَ وكُلَّ مَنْ مَرَّ بِذاكِرَتِي . أزحفُ كدودةٍ عرجاءَ مِنَ الألمِ ، لعَّلها عقوبة تهكمي على الشيخ صاحب التمائم . أصلُ إلى البيتِ و زوجتي مثلي أيضاً قدْ صارتْ دودة تتمددُ نائمة على الأَرْضِ ، متكورةٌ على نَفْسِهَا وتَتَوَسّدُ يَدَهَا ، أبْناؤنا يُحِيطُونَ بِجسدِها المتعب حدَّ الرهقِ كحشراتِ هاموشٍ حوْلَ مِصْبَاح . أتقلب في انتظار نُعاسٍ لا يغشى طرفي من الألم رغم دوامة تعب عالمه المشهود التي يدورُ فيها ، أجلسُ في انتظار صياح ديك جارتنا العجوز ، ولا يأتي سوى نقيق دُجاجاتها ، لم أعد أشعر بأصبعي ، أتحسس إنْ كَاَن ما يزالُ في مَكانه وظهري إلى الجدار ،الألمُ يَتَرَاجَعُ رُوَيْداً رُوَيْداً. قدمي بالكامل وكأن الدمُ قَدْ تَجَمدَ في عروقها ، بلْ نصفي الأسفلُ كُلهُ الآنَ باتَ معطوباً ، نصف تمثال أنا لا غير ، أنْفاسي لمْ تَعُدْ مُنْتَظمة كما كانتْ وكأني أتَنَفُس منْ ثُقب إبرة ،الهواءُ يَهْرُبُ بعيداً عَنْ رئتي ونظراتي الشاردة ُتتبعه ؛ فتعلقُ مسماراً على السقف . تتداعى كلًّ الأشياءِ مِنْ حَوْلِي ، بَيْنمَا عَبَثاً تَصِيحُ الدُجَاجَاتُ دُونَ أنْ يأتيَ الصَّبَاحُ ! .

No comments:

Post a Comment